احلام صغيره
عندما ضاقت به الدنيا، وأطبقت الهموم، وباتت لقمة العيش مطلباً عسير المنال، قرر أن يتخلى عن كبريائه وعزّة نفسه، وأن يتواضع قليلاً ويدق بابه.
قال محدثاً نفسه: هي فرصتي الأخيرة.. أقصده وأذكّره بصداقتنا القديمة.
ربما غبت عن ذاكرته بعد أن صارت صورته تظهر على الشاشة الصغيرة في بعض المناسبات، وتحتل- أحياناً- مساحة من الصحف. كم مرة ساعدته في حل مسألة أو كتابة موضوع وشرح قصيدة! وكم مرّة وقفت إلى جانبه في وجه الأشقياء ومنعت عنه الأذى!. كم.! وكم..! ماذا لو ردّ إلي بعض الجميل؟! أنا لا أطلب المستحيل.. وظيفة لائقة تتناسب والشهادة التي أحملها بتقدير جيد، والتي مازالت معلقة على الجدار وقد علاها الغبار.
وما إن قطع الشارع حتى توقّف قليلاً وفكر:
وظيفة لائقة.. ربما أحرجه بطلب كهذا. لتكن وظيفة عادية... موضع قدم، ثم أسعى لتعديل وضعي.. هكذا يفعلون دائماً، والخطوة الأولى هي الأهم.
لم ينتبه لسيارة مسرعة كادت أن تصدمه، ولم يأبه لصرير عجلاتها عندما توقفت، ولم يكترث لكلمات السائق النابية، بل قابله بابتسامة، ورفع يده محيياً ومعتذراً.
توقف مرة أخرى عندما اجتاز الشارع الثاني، ودار في خلده:
وظيفة بسيطة... أية وظيفة.. مراقب أو حارس.. أفضل من لاشيء وإن كانت لا تتناسب مع مؤهلاتي. لن أملي أية شروط، بل أقبل بما يُعرض علي.
اجتاز الشارع الثالث ووقف أمام المبنى الكبير.. ثمّة حراس وبنادق واستعلامات وجمهور غفير من مختلف الأعمال والمراتب. وعلى باب المكتب شاب ضخم الجثة، عابس الوجه، مقطّب الجبين. لايبتسم إلا لعليّة القوم من أصحاب النفوذ والتجار والسماسرة... ينحني لهم ويقول بلطف: تفضّل. هو صديق قديم، فلماذا ينتظر؟!
جمّدته صرخة غاضبة: إلى أين؟ هل هي فوضى؟!
تراجع مخذولاً وعيون الواقفين تجلده بنظرات شامتة. تناول بطاقة صغيرة وطلب منه راجياً أن يحملها إليه قائلاً بخجل: أنا صديقه، أقصد.. كنا صديقين.
في الساعة الثانية بدأ الموظفون يغادرون مكاتبهم، فسأل بتردد:
-ألم تعطه بطاقتي؟
-بلى.
وأضاف باستخفاف: وقرأها أيضاً.
-إذاً، دعني أدخل. أريد أن أراه.
-هذا غير ممكن.
-لماذا؟
-لأن سيادته غادر المكتب من الباب الآخر، منذ وقت طويل.
عندما ضاقت به الدنيا، وأطبقت الهموم، وباتت لقمة العيش مطلباً عسير المنال، قرر أن يتخلى عن كبريائه وعزّة نفسه، وأن يتواضع قليلاً ويدق بابه.
قال محدثاً نفسه: هي فرصتي الأخيرة.. أقصده وأذكّره بصداقتنا القديمة.
ربما غبت عن ذاكرته بعد أن صارت صورته تظهر على الشاشة الصغيرة في بعض المناسبات، وتحتل- أحياناً- مساحة من الصحف. كم مرة ساعدته في حل مسألة أو كتابة موضوع وشرح قصيدة! وكم مرّة وقفت إلى جانبه في وجه الأشقياء ومنعت عنه الأذى!. كم.! وكم..! ماذا لو ردّ إلي بعض الجميل؟! أنا لا أطلب المستحيل.. وظيفة لائقة تتناسب والشهادة التي أحملها بتقدير جيد، والتي مازالت معلقة على الجدار وقد علاها الغبار.
وما إن قطع الشارع حتى توقّف قليلاً وفكر:
وظيفة لائقة.. ربما أحرجه بطلب كهذا. لتكن وظيفة عادية... موضع قدم، ثم أسعى لتعديل وضعي.. هكذا يفعلون دائماً، والخطوة الأولى هي الأهم.
لم ينتبه لسيارة مسرعة كادت أن تصدمه، ولم يأبه لصرير عجلاتها عندما توقفت، ولم يكترث لكلمات السائق النابية، بل قابله بابتسامة، ورفع يده محيياً ومعتذراً.
توقف مرة أخرى عندما اجتاز الشارع الثاني، ودار في خلده:
وظيفة بسيطة... أية وظيفة.. مراقب أو حارس.. أفضل من لاشيء وإن كانت لا تتناسب مع مؤهلاتي. لن أملي أية شروط، بل أقبل بما يُعرض علي.
اجتاز الشارع الثالث ووقف أمام المبنى الكبير.. ثمّة حراس وبنادق واستعلامات وجمهور غفير من مختلف الأعمال والمراتب. وعلى باب المكتب شاب ضخم الجثة، عابس الوجه، مقطّب الجبين. لايبتسم إلا لعليّة القوم من أصحاب النفوذ والتجار والسماسرة... ينحني لهم ويقول بلطف: تفضّل. هو صديق قديم، فلماذا ينتظر؟!
جمّدته صرخة غاضبة: إلى أين؟ هل هي فوضى؟!
تراجع مخذولاً وعيون الواقفين تجلده بنظرات شامتة. تناول بطاقة صغيرة وطلب منه راجياً أن يحملها إليه قائلاً بخجل: أنا صديقه، أقصد.. كنا صديقين.
في الساعة الثانية بدأ الموظفون يغادرون مكاتبهم، فسأل بتردد:
-ألم تعطه بطاقتي؟
-بلى.
وأضاف باستخفاف: وقرأها أيضاً.
-إذاً، دعني أدخل. أريد أن أراه.
-هذا غير ممكن.
-لماذا؟
-لأن سيادته غادر المكتب من الباب الآخر، منذ وقت طويل.