قرات في العدد الأخير من مجلة القمة، مقابلة فعلاً ممتعة مع الشاعر الكبير احمد فؤاد نجم، ارتأيت ان انشرها هنا.
في حديث عن السياسة والذكريات
أحمـد فـؤاد نجـم : الوحــدة العربية مازالت أنبل أحلامنا
الحوار مع الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم - أو عم أحمد كما يحب ان يطلق عليه ، حوار ممتد وممتع وموصول، ينتقل من السياسة الى الشعر الى الصحافة الى الذكريات الجميلة، فعفوية عم أحمد، حلوة ومتدفقة وتحمل أيضا روح التمرد والتعبير الحر.
أحمد فؤاد نجم شاعر أصيل وسياسي مشاكس ومعارض حقيقي رغم انه لم ينخرط في حزب أيديولوجي وإنما كان على الدوام يشكل وحده حزبا يضم في عضويته الآف المقهورين والحالمين . بعد هذه السنوات الطويلة ترى ماذا تكون إجابته حول الأحلام التي داعبت مخيلة الملايين من العرب والمصريين لعقود طويلة، وماذا عن مشاعر الناس الحقيقية التي لمسها العم احمد في زياراته المتعددة للبلدان العربية؟
بيروت حبيبتي
ـ في مايو 1967 - قبيل النكسة - سافرت الى بيروت مع وفد منظمة تضامن الشعوب الأفرو آسيوية التي كان يرأسها وقتها يوسف السباعي، ومن الطائرة نزلت الى المستشفى لإصابتي بالملاريا أو شيء من هذا القبيل، فتخلفت عن اجتماعات المؤتمر الذي جئنا لأجله، وكانت فرصة للاحتكاك باللبنانيين، كلما كنت أتكلم بالعامية المصرية أجد من يقول لي: يا هلا بزلام أبو خالد يعني أهلاً برجالة عبد الناصر! هذه الجملة كان يقولها الناس البسطاء العاديون.
وهناك كدت ان أتزوج، ولم تنفع الجوازة بسبب تدخل -الله يرحمه- الأستاذ يوسف السباعي، فقد ذهب أهل العروس التي أردت الزواج منها كالمعتاد يسألونه عني فقال لهم كلاماً غريباً عني، وفشل زواجي من الحبيبة البيروتية، عموماً الله يسامحه.
وفي تلك الفترة القصيرة التي قضيتها في بيروت تعرفت الى كثير من الفلسطينيين واللبنانيين ودارت بينهم وبيني مناقشات لذيذة ومعمقة أعادتني وأنا مؤمن وموقن بأن الوحدة العربية مصير وقدر لابد منه ولا مهرب منه.
بعدها حدث ما حدث وجاء يونيو 1967 بالهزيمة ثم خرجت من مصر وسافرت الى الجزائر والمغرب وسوريا ولبنان واليمن وليبيا في سنوات 1982 - 1984 عندها اختلفت المسألة، واحتككت أيضا بالأشقاء في الخليج سواء في مصر أو في الخارج، ولم أزر من دول الخليج سوى قطر، ولاحظت اختلافاً كبيراً عندهم وبعدا عن الحديث عن الوحدة وكذلك في المغرب والجزائر.
وماذا عن ذكرياتك في سوريا وليبيا في هذا السياق؟
ـ في سوريا وليبيا المسألة تختلف تماماً، في منتصف الثمانينات كنت أجد سائق التاكسي في دمشق يشغل شريط كاسيت لأم كلثوم أو عبد الحليم حافظ أو خطب عبد الناصر، ليس لان الراكب معه قادم من مصر، فهو لا يعرف على وجه الدقة من الراكب، وكذلك لو دخلت بيت شخص بعثي تجد صورة حافظ الأسد وصورة عبد الناصر، ولو دخلت بيت شيوعي تجد صورة لينين وماركس ومعهما صورة عبد الناصر.
أتذكر عندما كنت في الشام كان يعقد مهرجان للمسرح العربي، ومصر أرسلت فرقتين، إحداهما تعرض مسرحية الوزير العاشق وكان بطلها المرحوم الفنان عبد الله غيث، وفي أثناء المهرجان كنت أحضر أمسية شعرية في كلية آداب جامعة دمشق، فعزمت أصدقائي من ممثلي المسرحية على الحضور فحضر معظمهم ماعدا الممثلين الكبار، وأثناء وقوفي على المسرح ألقي قصائدي، فوجئت بما يشبه الانفجار في القاعة، تصفيق وصراخ هستيري، نظرت فوجدت عبد الله غيث ومعه عزة بلبع، فتوقفت عن الإلقاء، واستمر التصفيق خمس دقائق متواصلة، وعبد الله غيث يقف في حالة ارتباك، فنزلت وأخذته من يده الى المسرح لكي يحيي الناس ونزل، ثم طلب الجمهور سماع قصائد معينة، وكثرت الطلبات وتضاربت، فقلت لهم: والله العظيم، إذا لم تنتظموا لاطلعلكم عبد الله غيث يتكلم فتصاعد الصراخ، نزلت وطلع غيث مرة أخرى وقال الآتي: أنا رجل شغلتي المسرح، وشغلتي الكلام، وعمري ما ارتبكت، أنا لاول مرة في حياتي أرتبك أمام الجمهور، وأنا جايب لكم سلام من القاهرة لشقيقتها دمشق عاصمة الجمهورية العربية المتحدة.
ولا تسألني عما حدث بعد ان نطق عبد الله غيث بهذه العبارة، حالة هيستريا وحماس وجنون، وبدأت دموعي تتساقط، تأثرا من هذا المشهد. مثل هذه الحالة تجدها في نفوس الناس البسطاء الفقراء، في ليبيا وأكثر، ففي سوريا قد يختلف الناس معك في انتقادك لعبد الناصر ولكن في ليبيا سوف يقتلوك !
أما في المغرب العربي فلم يعد به حالة القومية العربية، بل حالة أبعد تماماً، وجدت هناك شباباً كثيراً وخاصة في مجال الأعلام كل مصدر فخارهم ليس عروبتهم أو تاريخهم وإنما فريق كرة القدم!! رأيت ذلك حتى عند ناس مثقفين! فيما عدا بالطبع قلة من المثقفين موجودين في كل بلد عربي، يفكرون مثلنا.
لماذا خصصت شباب الإعلاميين في المغرب، هل لذلك قصة؟
ـ نعم هنالك قصة، وأنا في المغرب دعاني الطيب الصديقي الذي يعتبر عميد المسرح المغربي، دعاني هذا الرجل لحوار في برنامج للتليفزيون المغربي وقال لي: هناك 3 محظورات لا تقترب منها، وهي مفهومة للجميع في المغرب، قلت له طيب، وقتها كانت زيارة بيريز للمغرب، فقلت له نتكلم عن الزيارة فرفض، فقلت له: هل تريد ان اذهب للتليفزيون وأقول لك ازيك فتقول لي: الله يسلمك ونأخذ بعضنا بالأحضان!! ولم اذهب لتسجيل البرنامج.
من المعروف ان لك علاقة جيدة بالقائد الليبي العقيد معمر القذافي، وأنك نزلت في ضيافته شخصياً، فما انطباعاتك عنه؟
ـ رحلتي التي ذكرتها توا للمغرب وقت زيارة بيريز لها حكاية تبدأ في ليبيا التي كنت أزورها بدعوة من العقيد القذافي الذي تربطني به صداقة وكنا نلتقي يومياً أثناء وجودي في ليبيا،وذات يوم وأنا في الفندق أيقظني شخص أعرفه بالتليفون وقال لي بشماتة شديدة بيريز في المغرب فقلت له، ما الغريب في الأمر؟ فقال ذلك الشخص المشاكس يا ترى ماذا سيفعل صاحبك؟ ويقصد (القذافي) بسبب عضوية ليبيا في الاتحاد المغاربي الذي لم تكن تواقيع القادة العرب ومنهم القذافي بالطبع قد جفت على أوراق إعلانه.
ولم تمر دقائق حتى اتصل بي القذافي نفسه وقال: شفت ماذا فعل ملك المغرب! فسألته ماذا ستفعل؟ قال: لا أعرف فقلت له إياك ان تقوم برد فعل انفعالي، تصرف بهدوء. وفعلاً ظهر القذافي على شاشة التليفزيون وقال ان ما حدث خروج على (اتفاق الاتحاد المغاربي) وأنه متأكد من ان الشقيق الأكبر الملك الحسن الثاني سيتدارك المسألة وسيعالجها.
بعدها ذهبت الى القذافي وقلت له أنني سأسافر الى المغرب لأعرف المسألة عن قرب، وفي المغرب قرأت في صحيفة الاتحاد الاشتراكي تنويها عن حفلة تأبين في المسرح الوطني للمخرج حوري الحسن الذي انتحر احتجاجاً على زيارة بيريز للمغرب!
وأقصد من ذلك القول ان المشاعر الشعبية محاصرة، سواء في رفض التطبيع مع العدو أو في فكرة الوحدة العربية، والتفكير بصوت عال في الوحدة والقومية العربية غير مسموح به، ولكني متأكد ان الوحدة موجودة في قلب المواطن العربي العادي الغلبان المطحون، أما المثقفون فكثير منهم تفرقوا شيعاً ولعبت اغراءات السلطة بعقولهم، بعد ان آذاهم القمع والقهر نفسيا.
وسأنقلك الى مكان آخر، الى اليمن حيث ذهبت الى عدن اثر المذبحة التي انتهت بهروب علي ناصر محمد منها واستيلاء القيادة الجماعية على السلطة، جماعة علي سالم البيض وأبو بكر العطاس، هناك لم يكن موضوع الوحدة الموضوع الأبرز في الساحة، بل ان لملمة الجراح كانت الأساس بعد مذبحة راح ضحيتها 15 ألف شاب يمني، فهناك تاريخ غير مقروء في كثير من بلادنا العربية لا تستطيع ان تعرفه وأنت جالس بعيداً تنظر مع أفكارك.
باختصار أستطيع القول ان السوريين هم اكثر الشعوب العربية من حيث يقظة وجدانهم وسخونته في مسألة الوحدة، وقد عشنا فترة طويلة من الزمن شهدنا فيها قادة عربا يستخدمون شعار الوحدة لتضخيم أنظمتهم والإيحاء بأنهم الأمل الوحيد في الوحدة العربية وجاء ذلك خصماً من حساب الفكرة، التي لم تعد للأسف حية ويقظة مثلما كانت أيام عبد الناصر، ربما لان الناس فقدت الثقة فيمن يطرحون الفكرة في الزمن الحالي، وربما لان الانشغال بالأحوال الخاصة أصبح مسيطراً على كثيرين، وأصبحت إثارة موضوع الوحدة تتم على استحياء!
احتكاك الشعوب ببعضها البعض كان له تأثير على فكرة الوحدة العربية، سواء بالسلب أو بالإيجاب ما تعليقك؟
ـ هناك شيء لا يلتفت إليه كثيرون، وهو ان كل المناطق العشوائية التي بنيت حول القاهرة، بنيت بفلوس النفط، فيقال مثلاً ان عشوائيات شبرا الخيمة أقيمت من فلوس العراق، أي من خلال عمل كثير من سكانها في العراق، ولذلك يتعاطفون معه، وتجدهم حزانى لضرب العراق، الاحتكاك والاختلاط والعشرة بين الاشقاء العرب مسائل ضرورية.
وجهت كلاما حادا ونظمت أشعارا ساخرة، ضد السادات واتفاقيات كامب ديفيد، ترى ماذا فعلت السياسة والسياسيون العرب لتجسيد فكرة الوحدة العربية والتضامن في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة؟
ـ كل واحد استغل الموقف لصالحه، أتذكر وأنا عند العماد مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري في دعوة على العشاء، ودعا على شرفي مجموعة من المثقفين، بينهم دريد لحام وبعد قليل بدأ دريد لحام يعمل عرض التريقة على السادات قلت له، إياك ان تسخر أو تشتم السادات، وتكهرب الجو، وجاءني طلاس يسألني، ما الحكاية يا أخي السادات خاين! قلت له: وإحنا قتلناه، خلاصة هذه الواقعة ان كل حاكم وظف المسألة لصالحه، ولم ينظر أحد لصالح القضية العربية، لم يهاجم أحد السادات لصالح القضية العربية، أو لان السادات خان القضية الفلسطينية، والسادات من وجهة نظري ليس أول الخونة ولكنه أشدهم حمقاً فقط، لانه أعلن ذلك وألبس الحدوتة لباساً وطنياً، بقوله ان سبب بحثه عن السلام هو الأزمة الاقتصادية طيب هل حل السلام الأزمة الاقتصادية؟! أم إنها زادت؟! الحقيقة ان الكذابين كثيرون.
هل من الممكن الكلام مرة أخرى عن الوحدة العربية حالياً؟
ـ ليس عندي تصور جديد، وإنما أكيد ان هذه الوحدة هدف نبيل، ولكني اعتقد ان تحرير فلسطين هدف أقرب، تخيل معي تحرير فلسطين وسقوط الدولة العنصرية الموجودة فيها ماذا يمكن ان يحدث في المنطقة؟ اعتقد ان تحقيق الوحدة يظل أمراً صعباً مادام هذا الكيان مزروع في جسد الأمة، وطالما ان بعض الأنظمة العربية لا تفهم مصالح شعوبها، تصور هذه امريكا تقول جهاراً نهاراً ويسمعها الأطفال في المدارس أنها تضمن أمن اسرائيل وتضمن تفوقها العسكري المطلق على جميع الدول العربية، ومع ذلك نطلع نحن على الناس ونقول: امريكا هي الوسيط وراعي السلام أي سلام يقصدون!
يعني ان الوحدة تظل حلماً؟
ـ تظل حلماً بل أجمل الأحلام، تخيل ان تكون لك حرية حركة وتنقل من المحيط الى الخليج، تخيل الهنا الذي نعيشه وقتها، ذات مرة قال لي القذافي: حاول تتخيل مصر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب دولة واحدة، تخيل شكلها ماذا سيكون!.
لو افترضنا ان سبب انهيار فكرة الوحدة - ضمن أسباب كثيرة - هو غياب قوة مركزية ممثلة في مصر ككل أو شخص عبد الناصر، لو إننا نريد إعادة أحياء الفكرة للحياة مرة أخرى أليس ضرورياً ان تعود مصر قوية من جديد؟
ـ لا يبدأ المشروع مرة أخرى إلا من مصر، ليست الوحدة فقط وإنما التغيير الاجتماعي في الوطن العربي كله، الثورة الثقافية لازم تبدأ من مصر، وهذا قدرنا وليس مجرد ادعاء سببه حب مصر، وإنما هو قدر ومسؤولية ويبدو ان عمنا جميعاً جمال حمدان كان عنده حق في مسألة عبقرية المكان، لا نعرف بالضبط ما هو سر مصر! لا نعرف لماذا كانت القاهرة في كل الحالات التي مرت بها سواء الصعود أو السقوط، هي الحاضنة الرءوم للثقافة العربية! ستقول لي مثلاً لان بها الأزهر وتعلق المسلمين به، أقول لك طيب وماذا عن الثقافة الحديثة التي ليس لها علاقة بالأزهر وربما متخاصمة معه؟ لماذا ولد اكبر حزب شيوعي عربي (وهو الحزب الشيوعي السوداني) في مصر؟
ولكن هل تنفع الوحدة العربية في ظل وجود فجوات اجتماعية وثقافية بين بعض البلدان؟
ـ هذا كان نقطة الخلاف بين عبد الناصر والشيوعيين، كانوا يريدون عدم التعجل وردم الفجوات أولاً، أما عبد الناصر فكان يريد خبطة نفسية في مواجهة الحرب النفسية المعلنة ضده، فتسرع وتعامل مع الشيوعيين باعتبارهم أعداءه، رغم انهم كانوا حليفه الأول، أتذكر كلمة للمرحوم فيليب جلاب (الذي رأس تحرير صحيفة الأهالي اليسارية المصرية فترة من الوقت) كنا تحت التعذيب والضرب بالشوم والكرابيج وساعة ان نعلم بسفر عبد الناصر كانت قلوبنا تعزف لحن حبه، تحرسه لكي يعود بالسلامة،
من من البلاد العربية التي زرتها أعجبتك إبداعات المرأة؟
ـ في سوريا ولبنان مبدعات كثيرات والمرأة هناك مثلها في مصر ليست ممتهنة، المرأة في المغرب لديها ثقافة واطلاع، هناك وجدت البرافدا والتايم وكتبي وكتب الشيخ الشعراوي كلها جنبا الى جنب، وهذه معركة القذافي في ليبيا، حيث المجتمع قبلي، يقاتل دفاعاً عن حرية المرأة وأنا اشهد له بذلك، وقد نجح الى حد بعيد في تحرير المرأة، كانت لديه وزيرة ثقافة فوزية شلابي، وحرسه سيدات، وأذكر انه أقام مدرسة ثانوية عسكرية للبنات، فذهب إليه شيوخ القبائل واعترضوا وقالوا له ان ذلك لن يحصل، واذا قلت هذا الكلام مرة أخرى سنذبحك. فخرج الى التليفزيون واعلن انه لا يستطيع ان يحضر البنات من بيوتهن، إنما يستطيع ان يحمي أي بنت تأتي الى المدرسة، وكان العدد المطلوب للمدرسة 500 طالبة، فجاءت 3 آلاف فتاة، وهذه معركة حقيقية يقودها القذافي ببسالة شديدة، ولكن إعلامه لا يلتفت الى ذلك، وربما ان شعبه كله في واد والقذافي في واد آخر.
لم تحدثنا عن السودانيين، هل لأنك لم تزر السودان؟
ـ لم أزر السودان حقيقة، ولكني عاشرت السودانيين، وهم شيء راق جداً، شعب طيب ومتحضر، يتنفس الديموقراطية، يحبون مصر موت، أنجب أفذاذا، عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ والطيب صالح، السودان شعب صادق لا يكذب يحب مصر جداً وما يبهرني في السودانيين، الديموقراطية لأنني رأيت كيف يراقص سائق في السفارة السودانية، زوجة السفير، وزوجة السائق تراقص ابن السفير، كل السودانيين ليس بينهم فروق مصطنعة.
لماذا يتحسس بعض السياسيين والمثقفين المصريين من الانتقادات العربية لمصر، وتفسرونها وكأنها ضد فكرة الوحدة او ضد فكرة الريادة بشكل عام؟
ـ بالتأكيد، ضد فكرة الوحدة، وضد ريادة مصر، التي أصبحت عقدة عند،البعض ان تسود الفنون المصرية، ان يتطور الإنسان المصري وتتسع الثقافة المصرية، مسائل تقلق هذا البعض، حسدا لمصر ودورها الريادي باعتبارها مصدر الإشعاع وبوتقة التحضر والتطور.
أتذكر عندما ذهبت الى قطر منذ فترة طويلة، وجدت بعض الصحفيين الذين كانوا يدعون الناصرية قد تحولوا الى أصحاب ملايين وحاصروني هناك، يرسلون ناسا يشتمونني ويحرجونني وفي ندوة من الندوات طلع صحفي قطري وقال: عرفنا رأيك في عبد الناصر والسادات، طيب قل لنا رأيك في حسني مبارك؟ وكان يقصد إحراجي، قلت له: تعال إلي في القاهرة وأنا أقول لك رأيي في حسني مبارك بصوت عال، ولكن قل لي أنت ما رأيك في رئيس بلدك، فهرب وضحك الحاضرون عليه وصفقوا لي.
Ϡ₡ ҉ǁ|[Ðŕ Նะۣۨ>مـآ‘يكـلՆะۣۨ>]|ǁ ҉Ϡ₡
في حديث عن السياسة والذكريات
أحمـد فـؤاد نجـم : الوحــدة العربية مازالت أنبل أحلامنا
الحوار مع الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم - أو عم أحمد كما يحب ان يطلق عليه ، حوار ممتد وممتع وموصول، ينتقل من السياسة الى الشعر الى الصحافة الى الذكريات الجميلة، فعفوية عم أحمد، حلوة ومتدفقة وتحمل أيضا روح التمرد والتعبير الحر.
أحمد فؤاد نجم شاعر أصيل وسياسي مشاكس ومعارض حقيقي رغم انه لم ينخرط في حزب أيديولوجي وإنما كان على الدوام يشكل وحده حزبا يضم في عضويته الآف المقهورين والحالمين . بعد هذه السنوات الطويلة ترى ماذا تكون إجابته حول الأحلام التي داعبت مخيلة الملايين من العرب والمصريين لعقود طويلة، وماذا عن مشاعر الناس الحقيقية التي لمسها العم احمد في زياراته المتعددة للبلدان العربية؟
بيروت حبيبتي
ـ في مايو 1967 - قبيل النكسة - سافرت الى بيروت مع وفد منظمة تضامن الشعوب الأفرو آسيوية التي كان يرأسها وقتها يوسف السباعي، ومن الطائرة نزلت الى المستشفى لإصابتي بالملاريا أو شيء من هذا القبيل، فتخلفت عن اجتماعات المؤتمر الذي جئنا لأجله، وكانت فرصة للاحتكاك باللبنانيين، كلما كنت أتكلم بالعامية المصرية أجد من يقول لي: يا هلا بزلام أبو خالد يعني أهلاً برجالة عبد الناصر! هذه الجملة كان يقولها الناس البسطاء العاديون.
وهناك كدت ان أتزوج، ولم تنفع الجوازة بسبب تدخل -الله يرحمه- الأستاذ يوسف السباعي، فقد ذهب أهل العروس التي أردت الزواج منها كالمعتاد يسألونه عني فقال لهم كلاماً غريباً عني، وفشل زواجي من الحبيبة البيروتية، عموماً الله يسامحه.
وفي تلك الفترة القصيرة التي قضيتها في بيروت تعرفت الى كثير من الفلسطينيين واللبنانيين ودارت بينهم وبيني مناقشات لذيذة ومعمقة أعادتني وأنا مؤمن وموقن بأن الوحدة العربية مصير وقدر لابد منه ولا مهرب منه.
بعدها حدث ما حدث وجاء يونيو 1967 بالهزيمة ثم خرجت من مصر وسافرت الى الجزائر والمغرب وسوريا ولبنان واليمن وليبيا في سنوات 1982 - 1984 عندها اختلفت المسألة، واحتككت أيضا بالأشقاء في الخليج سواء في مصر أو في الخارج، ولم أزر من دول الخليج سوى قطر، ولاحظت اختلافاً كبيراً عندهم وبعدا عن الحديث عن الوحدة وكذلك في المغرب والجزائر.
وماذا عن ذكرياتك في سوريا وليبيا في هذا السياق؟
ـ في سوريا وليبيا المسألة تختلف تماماً، في منتصف الثمانينات كنت أجد سائق التاكسي في دمشق يشغل شريط كاسيت لأم كلثوم أو عبد الحليم حافظ أو خطب عبد الناصر، ليس لان الراكب معه قادم من مصر، فهو لا يعرف على وجه الدقة من الراكب، وكذلك لو دخلت بيت شخص بعثي تجد صورة حافظ الأسد وصورة عبد الناصر، ولو دخلت بيت شيوعي تجد صورة لينين وماركس ومعهما صورة عبد الناصر.
أتذكر عندما كنت في الشام كان يعقد مهرجان للمسرح العربي، ومصر أرسلت فرقتين، إحداهما تعرض مسرحية الوزير العاشق وكان بطلها المرحوم الفنان عبد الله غيث، وفي أثناء المهرجان كنت أحضر أمسية شعرية في كلية آداب جامعة دمشق، فعزمت أصدقائي من ممثلي المسرحية على الحضور فحضر معظمهم ماعدا الممثلين الكبار، وأثناء وقوفي على المسرح ألقي قصائدي، فوجئت بما يشبه الانفجار في القاعة، تصفيق وصراخ هستيري، نظرت فوجدت عبد الله غيث ومعه عزة بلبع، فتوقفت عن الإلقاء، واستمر التصفيق خمس دقائق متواصلة، وعبد الله غيث يقف في حالة ارتباك، فنزلت وأخذته من يده الى المسرح لكي يحيي الناس ونزل، ثم طلب الجمهور سماع قصائد معينة، وكثرت الطلبات وتضاربت، فقلت لهم: والله العظيم، إذا لم تنتظموا لاطلعلكم عبد الله غيث يتكلم فتصاعد الصراخ، نزلت وطلع غيث مرة أخرى وقال الآتي: أنا رجل شغلتي المسرح، وشغلتي الكلام، وعمري ما ارتبكت، أنا لاول مرة في حياتي أرتبك أمام الجمهور، وأنا جايب لكم سلام من القاهرة لشقيقتها دمشق عاصمة الجمهورية العربية المتحدة.
ولا تسألني عما حدث بعد ان نطق عبد الله غيث بهذه العبارة، حالة هيستريا وحماس وجنون، وبدأت دموعي تتساقط، تأثرا من هذا المشهد. مثل هذه الحالة تجدها في نفوس الناس البسطاء الفقراء، في ليبيا وأكثر، ففي سوريا قد يختلف الناس معك في انتقادك لعبد الناصر ولكن في ليبيا سوف يقتلوك !
أما في المغرب العربي فلم يعد به حالة القومية العربية، بل حالة أبعد تماماً، وجدت هناك شباباً كثيراً وخاصة في مجال الأعلام كل مصدر فخارهم ليس عروبتهم أو تاريخهم وإنما فريق كرة القدم!! رأيت ذلك حتى عند ناس مثقفين! فيما عدا بالطبع قلة من المثقفين موجودين في كل بلد عربي، يفكرون مثلنا.
لماذا خصصت شباب الإعلاميين في المغرب، هل لذلك قصة؟
ـ نعم هنالك قصة، وأنا في المغرب دعاني الطيب الصديقي الذي يعتبر عميد المسرح المغربي، دعاني هذا الرجل لحوار في برنامج للتليفزيون المغربي وقال لي: هناك 3 محظورات لا تقترب منها، وهي مفهومة للجميع في المغرب، قلت له طيب، وقتها كانت زيارة بيريز للمغرب، فقلت له نتكلم عن الزيارة فرفض، فقلت له: هل تريد ان اذهب للتليفزيون وأقول لك ازيك فتقول لي: الله يسلمك ونأخذ بعضنا بالأحضان!! ولم اذهب لتسجيل البرنامج.
من المعروف ان لك علاقة جيدة بالقائد الليبي العقيد معمر القذافي، وأنك نزلت في ضيافته شخصياً، فما انطباعاتك عنه؟
ـ رحلتي التي ذكرتها توا للمغرب وقت زيارة بيريز لها حكاية تبدأ في ليبيا التي كنت أزورها بدعوة من العقيد القذافي الذي تربطني به صداقة وكنا نلتقي يومياً أثناء وجودي في ليبيا،وذات يوم وأنا في الفندق أيقظني شخص أعرفه بالتليفون وقال لي بشماتة شديدة بيريز في المغرب فقلت له، ما الغريب في الأمر؟ فقال ذلك الشخص المشاكس يا ترى ماذا سيفعل صاحبك؟ ويقصد (القذافي) بسبب عضوية ليبيا في الاتحاد المغاربي الذي لم تكن تواقيع القادة العرب ومنهم القذافي بالطبع قد جفت على أوراق إعلانه.
ولم تمر دقائق حتى اتصل بي القذافي نفسه وقال: شفت ماذا فعل ملك المغرب! فسألته ماذا ستفعل؟ قال: لا أعرف فقلت له إياك ان تقوم برد فعل انفعالي، تصرف بهدوء. وفعلاً ظهر القذافي على شاشة التليفزيون وقال ان ما حدث خروج على (اتفاق الاتحاد المغاربي) وأنه متأكد من ان الشقيق الأكبر الملك الحسن الثاني سيتدارك المسألة وسيعالجها.
بعدها ذهبت الى القذافي وقلت له أنني سأسافر الى المغرب لأعرف المسألة عن قرب، وفي المغرب قرأت في صحيفة الاتحاد الاشتراكي تنويها عن حفلة تأبين في المسرح الوطني للمخرج حوري الحسن الذي انتحر احتجاجاً على زيارة بيريز للمغرب!
وأقصد من ذلك القول ان المشاعر الشعبية محاصرة، سواء في رفض التطبيع مع العدو أو في فكرة الوحدة العربية، والتفكير بصوت عال في الوحدة والقومية العربية غير مسموح به، ولكني متأكد ان الوحدة موجودة في قلب المواطن العربي العادي الغلبان المطحون، أما المثقفون فكثير منهم تفرقوا شيعاً ولعبت اغراءات السلطة بعقولهم، بعد ان آذاهم القمع والقهر نفسيا.
وسأنقلك الى مكان آخر، الى اليمن حيث ذهبت الى عدن اثر المذبحة التي انتهت بهروب علي ناصر محمد منها واستيلاء القيادة الجماعية على السلطة، جماعة علي سالم البيض وأبو بكر العطاس، هناك لم يكن موضوع الوحدة الموضوع الأبرز في الساحة، بل ان لملمة الجراح كانت الأساس بعد مذبحة راح ضحيتها 15 ألف شاب يمني، فهناك تاريخ غير مقروء في كثير من بلادنا العربية لا تستطيع ان تعرفه وأنت جالس بعيداً تنظر مع أفكارك.
باختصار أستطيع القول ان السوريين هم اكثر الشعوب العربية من حيث يقظة وجدانهم وسخونته في مسألة الوحدة، وقد عشنا فترة طويلة من الزمن شهدنا فيها قادة عربا يستخدمون شعار الوحدة لتضخيم أنظمتهم والإيحاء بأنهم الأمل الوحيد في الوحدة العربية وجاء ذلك خصماً من حساب الفكرة، التي لم تعد للأسف حية ويقظة مثلما كانت أيام عبد الناصر، ربما لان الناس فقدت الثقة فيمن يطرحون الفكرة في الزمن الحالي، وربما لان الانشغال بالأحوال الخاصة أصبح مسيطراً على كثيرين، وأصبحت إثارة موضوع الوحدة تتم على استحياء!
احتكاك الشعوب ببعضها البعض كان له تأثير على فكرة الوحدة العربية، سواء بالسلب أو بالإيجاب ما تعليقك؟
ـ هناك شيء لا يلتفت إليه كثيرون، وهو ان كل المناطق العشوائية التي بنيت حول القاهرة، بنيت بفلوس النفط، فيقال مثلاً ان عشوائيات شبرا الخيمة أقيمت من فلوس العراق، أي من خلال عمل كثير من سكانها في العراق، ولذلك يتعاطفون معه، وتجدهم حزانى لضرب العراق، الاحتكاك والاختلاط والعشرة بين الاشقاء العرب مسائل ضرورية.
وجهت كلاما حادا ونظمت أشعارا ساخرة، ضد السادات واتفاقيات كامب ديفيد، ترى ماذا فعلت السياسة والسياسيون العرب لتجسيد فكرة الوحدة العربية والتضامن في مواجهة التحديات التي تواجه الأمة؟
ـ كل واحد استغل الموقف لصالحه، أتذكر وأنا عند العماد مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري في دعوة على العشاء، ودعا على شرفي مجموعة من المثقفين، بينهم دريد لحام وبعد قليل بدأ دريد لحام يعمل عرض التريقة على السادات قلت له، إياك ان تسخر أو تشتم السادات، وتكهرب الجو، وجاءني طلاس يسألني، ما الحكاية يا أخي السادات خاين! قلت له: وإحنا قتلناه، خلاصة هذه الواقعة ان كل حاكم وظف المسألة لصالحه، ولم ينظر أحد لصالح القضية العربية، لم يهاجم أحد السادات لصالح القضية العربية، أو لان السادات خان القضية الفلسطينية، والسادات من وجهة نظري ليس أول الخونة ولكنه أشدهم حمقاً فقط، لانه أعلن ذلك وألبس الحدوتة لباساً وطنياً، بقوله ان سبب بحثه عن السلام هو الأزمة الاقتصادية طيب هل حل السلام الأزمة الاقتصادية؟! أم إنها زادت؟! الحقيقة ان الكذابين كثيرون.
هل من الممكن الكلام مرة أخرى عن الوحدة العربية حالياً؟
ـ ليس عندي تصور جديد، وإنما أكيد ان هذه الوحدة هدف نبيل، ولكني اعتقد ان تحرير فلسطين هدف أقرب، تخيل معي تحرير فلسطين وسقوط الدولة العنصرية الموجودة فيها ماذا يمكن ان يحدث في المنطقة؟ اعتقد ان تحقيق الوحدة يظل أمراً صعباً مادام هذا الكيان مزروع في جسد الأمة، وطالما ان بعض الأنظمة العربية لا تفهم مصالح شعوبها، تصور هذه امريكا تقول جهاراً نهاراً ويسمعها الأطفال في المدارس أنها تضمن أمن اسرائيل وتضمن تفوقها العسكري المطلق على جميع الدول العربية، ومع ذلك نطلع نحن على الناس ونقول: امريكا هي الوسيط وراعي السلام أي سلام يقصدون!
يعني ان الوحدة تظل حلماً؟
ـ تظل حلماً بل أجمل الأحلام، تخيل ان تكون لك حرية حركة وتنقل من المحيط الى الخليج، تخيل الهنا الذي نعيشه وقتها، ذات مرة قال لي القذافي: حاول تتخيل مصر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب دولة واحدة، تخيل شكلها ماذا سيكون!.
لو افترضنا ان سبب انهيار فكرة الوحدة - ضمن أسباب كثيرة - هو غياب قوة مركزية ممثلة في مصر ككل أو شخص عبد الناصر، لو إننا نريد إعادة أحياء الفكرة للحياة مرة أخرى أليس ضرورياً ان تعود مصر قوية من جديد؟
ـ لا يبدأ المشروع مرة أخرى إلا من مصر، ليست الوحدة فقط وإنما التغيير الاجتماعي في الوطن العربي كله، الثورة الثقافية لازم تبدأ من مصر، وهذا قدرنا وليس مجرد ادعاء سببه حب مصر، وإنما هو قدر ومسؤولية ويبدو ان عمنا جميعاً جمال حمدان كان عنده حق في مسألة عبقرية المكان، لا نعرف بالضبط ما هو سر مصر! لا نعرف لماذا كانت القاهرة في كل الحالات التي مرت بها سواء الصعود أو السقوط، هي الحاضنة الرءوم للثقافة العربية! ستقول لي مثلاً لان بها الأزهر وتعلق المسلمين به، أقول لك طيب وماذا عن الثقافة الحديثة التي ليس لها علاقة بالأزهر وربما متخاصمة معه؟ لماذا ولد اكبر حزب شيوعي عربي (وهو الحزب الشيوعي السوداني) في مصر؟
ولكن هل تنفع الوحدة العربية في ظل وجود فجوات اجتماعية وثقافية بين بعض البلدان؟
ـ هذا كان نقطة الخلاف بين عبد الناصر والشيوعيين، كانوا يريدون عدم التعجل وردم الفجوات أولاً، أما عبد الناصر فكان يريد خبطة نفسية في مواجهة الحرب النفسية المعلنة ضده، فتسرع وتعامل مع الشيوعيين باعتبارهم أعداءه، رغم انهم كانوا حليفه الأول، أتذكر كلمة للمرحوم فيليب جلاب (الذي رأس تحرير صحيفة الأهالي اليسارية المصرية فترة من الوقت) كنا تحت التعذيب والضرب بالشوم والكرابيج وساعة ان نعلم بسفر عبد الناصر كانت قلوبنا تعزف لحن حبه، تحرسه لكي يعود بالسلامة،
من من البلاد العربية التي زرتها أعجبتك إبداعات المرأة؟
ـ في سوريا ولبنان مبدعات كثيرات والمرأة هناك مثلها في مصر ليست ممتهنة، المرأة في المغرب لديها ثقافة واطلاع، هناك وجدت البرافدا والتايم وكتبي وكتب الشيخ الشعراوي كلها جنبا الى جنب، وهذه معركة القذافي في ليبيا، حيث المجتمع قبلي، يقاتل دفاعاً عن حرية المرأة وأنا اشهد له بذلك، وقد نجح الى حد بعيد في تحرير المرأة، كانت لديه وزيرة ثقافة فوزية شلابي، وحرسه سيدات، وأذكر انه أقام مدرسة ثانوية عسكرية للبنات، فذهب إليه شيوخ القبائل واعترضوا وقالوا له ان ذلك لن يحصل، واذا قلت هذا الكلام مرة أخرى سنذبحك. فخرج الى التليفزيون واعلن انه لا يستطيع ان يحضر البنات من بيوتهن، إنما يستطيع ان يحمي أي بنت تأتي الى المدرسة، وكان العدد المطلوب للمدرسة 500 طالبة، فجاءت 3 آلاف فتاة، وهذه معركة حقيقية يقودها القذافي ببسالة شديدة، ولكن إعلامه لا يلتفت الى ذلك، وربما ان شعبه كله في واد والقذافي في واد آخر.
لم تحدثنا عن السودانيين، هل لأنك لم تزر السودان؟
ـ لم أزر السودان حقيقة، ولكني عاشرت السودانيين، وهم شيء راق جداً، شعب طيب ومتحضر، يتنفس الديموقراطية، يحبون مصر موت، أنجب أفذاذا، عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ والطيب صالح، السودان شعب صادق لا يكذب يحب مصر جداً وما يبهرني في السودانيين، الديموقراطية لأنني رأيت كيف يراقص سائق في السفارة السودانية، زوجة السفير، وزوجة السائق تراقص ابن السفير، كل السودانيين ليس بينهم فروق مصطنعة.
لماذا يتحسس بعض السياسيين والمثقفين المصريين من الانتقادات العربية لمصر، وتفسرونها وكأنها ضد فكرة الوحدة او ضد فكرة الريادة بشكل عام؟
ـ بالتأكيد، ضد فكرة الوحدة، وضد ريادة مصر، التي أصبحت عقدة عند،البعض ان تسود الفنون المصرية، ان يتطور الإنسان المصري وتتسع الثقافة المصرية، مسائل تقلق هذا البعض، حسدا لمصر ودورها الريادي باعتبارها مصدر الإشعاع وبوتقة التحضر والتطور.
أتذكر عندما ذهبت الى قطر منذ فترة طويلة، وجدت بعض الصحفيين الذين كانوا يدعون الناصرية قد تحولوا الى أصحاب ملايين وحاصروني هناك، يرسلون ناسا يشتمونني ويحرجونني وفي ندوة من الندوات طلع صحفي قطري وقال: عرفنا رأيك في عبد الناصر والسادات، طيب قل لنا رأيك في حسني مبارك؟ وكان يقصد إحراجي، قلت له: تعال إلي في القاهرة وأنا أقول لك رأيي في حسني مبارك بصوت عال، ولكن قل لي أنت ما رأيك في رئيس بلدك، فهرب وضحك الحاضرون عليه وصفقوا لي.
Ϡ₡ ҉ǁ|[Ðŕ Նะۣۨ>مـآ‘يكـلՆะۣۨ>]|ǁ ҉Ϡ₡